محمد إبراهيم خليفة المشاي
1 يناير 1957 – 2 ابريل 2021
بقلم . بروفسور ديفيد ماتنغـــــــــــــــلي
نشرت فى العدد 52 من مجلة الدراسات الليبية الصادر في نوفمبر 2021.
ترجمة . أ مصطفى عبدالله الترجمان
لقد كان محمد المشاي الذي فاجأه الموت وهو في عمر الرابعة و الستين من أشهر باحثي الآثار في مناطق الجنوب الليبي. ولد في بلدة قطه بوادي الشاطئ في عام 1957 و درس في مدارس براك و سبها ثم طرابلس ، و درس علم الأثار في جامعة بنغازي الذي تألق فيها كرياضي متميز بين الرياضيين من طلبة الجامعة يومها . و بعد تخرجه في عام 1981 التحق بمصلحة الآثار و كان أول لقاء لي معه عندما كان الفقيد أحد أفراد فريق مصلحة الآثار المشارك في مشروع اليونيسكو لمسح الأودية الليبية ، و سرعان ما لفت انتباهي شخصه بحضوره المرح و شغفه و حماسته للعمل و بمعرفته بموسيقى البوب الغربية و بثقافته ، و قد أثبت اثناء العمل الميداني الشاق تميزه بين اقرانه بحسن الخلق فلم يستطع الكثير من رفاقه مجاراة سلوكه الدمث مع مشقة العمل الميداني .
من ناحية أخرى قضى بعض الزمن خلال ثمانينيات القرن الماضي في العمل بمنطقة جبل نفوسة شمال غرب ليبيا . و في عام 1991 تولى منصب مراقبة آثار الجنوب التي تشرف على منطقة شاسعة مترامية الأطراف بما فيها فزان جنوب غرب ليبيا، حيث لعب دوراً مهماً طوال عقد كامل من الزمن. و في حقيقة الأمر كانت تلك السنوات فترة تحول شهدته المنطقة في العمل الأثري الذي ظل مهملاً لعدة سنوات بإستثناء النشاط الاستثنائي الذي كانت تقوم به البعثة الإيطالية في منطقة الاكاكوس التي أسسها فابريتسيو موري و التي أزداد حجم نشاطها في التسعينيات مع انتقال رئاستها إلى مارو ليفيراني ثم إلى سافينو دي ليرنيا من بعده و توسع نطاق اختصاصها من توثيق آثار الفن الصخري إلى التعمق في دراسته بشكل أدق ليشمل بالإضافة إلى المجال الأثري المجال البيئي و الاهتمام بدراسة قدامى سكان الصحراء. وإضافة إلى هذه البعثة كان هناك للباحث الألماني هلموت زيغرت دور خلال تلك السنوات بدراسته لعدد من المواقع في فزان. يذكر أن أعمال الاستكشاف النفطي في ذلك الوقت قد ساهمت في فتح مسارات للوصول إلى العديد من مواقع الفن الصخري في وادي الشاطئ ومنطقة مساك ازطافت حيث بدأ حينها عدد من الباحثين الأكاديميين والهواة في العمل في تلك الربوع مثل (ج.ال. لوكيلك / آر، دجي لوتز، إيه/ إيه. أم. فان البادا) و أخيراً جاء عمل الانجليز في مواقع الجرمنت بعد الدراسات الرائدة التي قام بها تشارلز دانيلز بين عام 1958 و 1977 ، حيث استأنف الفريق الإنجليزي تحت إدارتي العمل هناك في عام 1997 ، و كان للدعم القوي المفعم بالحيوية و الرؤية الواضحة الذي ابداه محمد المشاي جانب رئيسي في جعل عملنا يتوسع و يكبر في المنطقة كما كان للفقيد دور في إعادة تأسيس متحف جرمة بإحضار كنوز و نفائس آثار الجرمنت من سبها مما جعل إهتمام الزوار ينصب على مدينة جرمة خصوصاً بعد انطلاقة سياحة الصحراء في أواخر التسعينيات الماضية . و كذلك اتخذ الفقيد الخطوات الأولى لتأسيس إدارة جديدة لمصلحة الآثار في مدينة جرمة و تم حفظ و ترميم عدد من المعالم خلال تلك الفترة من بينها ترميم عدة معالم مشيدة من مادة الطين في كل من جرمة و غات كما شارك في مفاوضات مع الشركات النفطية لإبرام اتفاقيات بشأن القيام بمسوحات أثرية دقيقة للحيلولة دون الحاق أي ضرر خلال عمليات الاستكشاف النفطي بالموروث الأثري في المنطقة.
وبحكم التعاون و العمل الوثيق أثناء تنفيذ مشروع فزان في أواخر التسعينات لدينا الكثير من الذكريات الجميلة معاً فقد كان احد المشاركين العمليين في هذا المشروع و ادىّ دوراً مهماً فيه من حيث وضع الرؤى للتعريف بحضارة الجرمنت و تاريخهم حتى خارج ليبيا .. لقد تشاركنا في الكثير من الاحداث والمواقف ولا زلت أتذكر عندما أصاب العطل مركبتينا في بحر من الرمال والمحاولات للتدخل في إنقاذ الفريق التي لم تتم إلا مع حلول غسق ذلك اليوم.
و عقب عمله كمراقب أثار الجنوب عاد الفقيد للعمل في المجال الأثري في شمال البلاد ... و تمر السنون ليرجع محمد كمراقب لآثار الجنوب من جديد بين عامي 2009 و 2010 و لكن هذه المرة لم يكن وضعه الصحي كما عهدناه عليه من قبل و رغم ذلك ظل الداعم القوي لعمل البعثات الأجنبية هناك و هكذا أستمر محل فخر بالتراث الليبي
المصدر معالم و أعلام فزان