لحاج حمودة بن الطاهر
هو حمودة بن الطاهر بن محمد عطية، سياسي محنّك ، ودبلوماسي قدير ، ورجل التوافق والحلول الوسط . تولى مسؤوليات جسام في فترة صعبة من تاريخ المجتمع الليبي حيث تم الانتقال من فترة الاستعمار و التبعية إلى فترة التحرر و الاستقلال .
ولد الحاج حمودة بن الطاهر في بلدة القرضة أحدى بلدات سبها نهاية القرن التاسع عشر . عاصر عدد من فقها قريته واستفاد منهم . منهم الفقي أحمد بن حمزة والفقي أمحمد بن عبدالرحمن العباسي والشيخ عبدالقادر العالم ، فحفظ القرآن الكريم، ودرس المثون و الاجرومية في اللغة، و ابن عاشر في التوحيد ، و كتاب خليل في الفقه، ورساله ابن ابي زيد القيرواني في الفرائض و غيرها . ثم توجه إلى بنغازي للتدريس في نجوع باديتها.
رجع إلى موطنه سنة 1940 حيث نُصّبَ قاضياً في وادي الشاطئ ، ثم تولى قضاء سبها والبوانيس ، و في سنة 1950 اختير ناظراً المالية في أول حكومة وطنية في فزان ، و بعد الاستقلال - أي بعد سنة 1951 م - تولى مسؤولية نظارة المالية في حكومة ولاية فزان ثم مسؤولية نظارة الداخلية ثم العدل ، و اخيراً تولى مسؤولية نائب رئيس المجلس التنفيذي للولاية ثم ناظرا بدون ناظراً .
تميز بالدكاء و الفطنة و النباهة ، لا يتكلم كثيراً و عندما يتكلم ينطق بمثل أو بحكمة أو بقول مأثور ، دائم النشاط لا يفتر من عمل ، متواضعاً كان يستوقفنا نحن طلاب قريته ، ونحن راجعون من المدرسة ويسألنا عما أخذنا من دروس ، وما حفظنا من واجبات . مداوم على القيام بفروضه الدينية لا تفوته صلاة ولا يلهيه شغل عنها . أما عن شخصيته ، فقد كان رحمه الله معتدل القامة ، ابيض البشرة ، قسمات وجهه توحي بالثقة و الاحترام ، زيهّ الجرد الليبي صيفاً و شتأً في سفره و في حضره حيث لم يكن يلبس الملابس الافرنجية. سافر في رحلات متعددة إلى كل من طرابلس و تونس و بنغازي ، وأدي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام . و كان مداوماً على حضور حلقات الدرس و التحصيل اينما حل ، يلتقي أهل العلم والفضل و أهل الرأي و المشورة ، وقد استفاد من هذه الرحلات في معرفة أحوال الناس و أنسابهم وقبائلهم ، ودورهم في الحياة العامة . اشتهر بالصدق و النزاهة و الكرم، وتؤداً في أحكامه و تصرفاته ، صبوراً . سأله أحدهم و كان يبحث عن ناظر العدل وكان الحاج حمودة هو من يتولى هذه النظارة فأجابه : الناظر موجود أما العدل فيأتي به الله.
له اهتمامات شعرية ، فقد وجدت له قصيدة يصف فيها مدينة براك وعيونها الفواره ، وأشجارها الباسقة ، وثمارها اليانعة مما يدل على ملكه شعريه مرهفة ، ومما جاء في القصيدة :
الله خص براك بالبركات : فالاسم و الأفعال مشتبهات
مبروكة ما مثلها في وقتنا : في هذه الدنيا من الجنات
عين بها خضراء تجري انهراً : ومياهها تسقى على الدورات
و الباسقات لها طيوراً غردت : فوق الجريد بأعذب النغمات
وتشابكت ظلالها في بعضها : عند الهجير تقي من الحرات
وبها فدادين الزراعة شمست : وقت الحصاد تجود بالصابات(1)
و بالإضافة إلى الشعر و فنونه ، فإن الحاج حمودة كان يتحدث اللغتين الايطالية و الفرنسية . افرد له ( ادريان بلت ) ممثل الامم المتحدة في ليبيا ايام الاستقلال سبع صفحات من كتابه (أستقلال ليبيا والأمم المتحدة) عن دور الحاج حمودة في المشاورات التي سبقت اعلان الاستقلال مما يدل على قيمة الرجل ، توفى رحمه الله سنة 1961 م ودفن في مقبرة قريته ببلدة القرضة بسبها.
منقول من صفحة الدكتور / الطاهر اعريفة